الوضع المظلم
السبت ٢٦ / يوليو / ٢٠٢٥
Logo
  • الدروز هم زهرة الشرق بين مخالب المتطرفين وسكوت الحكومة السورية الجديدة

الدروز هم زهرة الشرق بين مخالب المتطرفين وسكوت الحكومة السورية الجديدة
عبدالله البنيه

في قلب بلادٍ أنهكتها الحروب والانقسامات، يقف الدروز كأحد مكونات المجتمع السوري الأكثر عراقة وعمقاً في الهوية الوطنية. هم أبناء جبل العرب، حراس الأرض والتاريخ، الذين شكلوا عبر أجيالهم رافعةً حقيقية للنضال ضد الاحتلال والظلم. ومع ذلك، فإن ما يتعرض له أبناء الطائفة الدرزية في سوريا اليوم لا يعكس سوى خيانةً ممنهجة من جميع الأطراف: النظام السابق، و المتطرفين، وحتى الحكومة السورية الجديدة التي تصم آذانها عن صرخات أبناء هذه الطائفة.
من المقاومة إلى التخوين
لطالما وقف الدروز في وجه الاحتلال الفرنسي، وكانت ثورتهم في جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش أحد أهم محطات الكفاح الوطني السوري. غير أن هذه الصفحة المشرقة، لم تمنع النظام السوري – ومن بعده قوى التطرف – من إعادة كتابة تاريخ هذه الطائفة بشروط الخوف والإقصاء.
فمنذ بدايات الثورة السورية، اتخذ النظام موقفًا متذبذبًا تجاه الطائفة، تارةً يستغل ولاء بعض القيادات المحلية، وتارةً يخوّن الحراك الشعبي الدرزي، ويفتح الباب أمام فوضى أمنية تُدار من غرف المخابرات. تم اغتيال مشايخ، واعتُقل ناشطون، وتُركت السويداء تنهار تحت وطأة العصابات المحلية، دون أن يُحرّك النظام ساكناً، بل كان يحرك الخيوط في الخفاء.
الإرهاب المتطرف: قبضة جديدة على الجرح
بعد سقوط النظام ، تقدّمت الجماعات المتطرفة لتملأ الفراغ، فكان النصيب الأكبر من العنف من نصيب أبناء جبل العرب. اختُطف الأطفال والنساء، وسُحلت الجثث في الطرقات، وخُوّن كل من لم يرفع راية دينية محددة. كان الهدف واضحًا: تكسير العمق الوطني لهذه الطائفة، وجعلها محاصرة بين خيانة الدولة ووحشية التنظيمات.
ورغم التضحيات، اختار معظم أبناء الطائفة موقف الحياد الإيجابي، الرافض للعنف، والحريص على وحدة سوريا. لكن يبدو أن هذا الموقف العقلاني لا يُرضي لا النظام ولا المتطرفين، وكأن قدرهم أن يُحاسَبوا على وطنيتهم المتزنة.
الحكومة السورية الجديدة: صمت مُخزٍ
اليوم، ومع تشكيل حكومة سورية جديدة تُقدم نفسها كبديل عن النظام، كان من المتوقع أن تكون أكثر إنصافًا لمظلومية الطوائف، وأن تُعلي صوت الضحايا. لكن الصمت المطبق تجاه الانتهاكات التي يتعرض لها الدروز، خاصة في السويداء، يشي بأن الطائفية لا تزال سيدة الموقف، حتى لدى من يدّعي الديمقراطية.
فأين هي بيانات الإدانة؟ أين هو الدعم السياسي والإعلامي  لماذا لا نجد مسؤولاً واحدًا يخرج ليتحدث بوضوح عن محنة هذه الطائفة؟ أهو الخوف من ردود أفعال الفصائل المتشددة؟ أم هو تجاهل متعمد لإعادة إنتاج هيمنة طائفية جديدة بوجه مختلف؟
صرخة في وجه الصمت
الدروز ليسوا أقلية تطلب الحماية، بل هم شركاء في الوطن، وأصحاب حق في العدالة والكرامة. آن الأوان أن يُنظر إليهم كمكوّن وطني لا كحالة أمنية. وآن الأوان أن تتحمل الحكومة الجديدة مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية تجاههم، لا أن تكرر خطايا النظام بصمت مختلف.
زهرة الشرق لا تستحق أن تذبل في صمت. هي جزء من هذا الجسد السوري النازف، وإن تُركت تنهار وحدها، فالعدوى ستصل إلى الجميع ،
تخوين الدروز هو جريمة مزدوجة: أولًا بحقهم كأفراد وجماعة وطنية، وثانيًا بحق سوريا كدولة متعددة الألوان والانتماءات. الطائفة التي أنجبت قائد الثورة، لا يمكن أن تُتهم بالخيانة لمجرد أنها رفضت أن تكون بندقية بيد أحد.
الاعتراف بمظلوميتهم، وإعادة الاعتبار لدورهم الوطني، يجب أن يكون جزءًا من أي مشروع سوري حقيقي يسعى للحرية والعدالة..

ليفانت: عبدالله البنيه

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!