الوضع المظلم
الأحد ٢١ / ديسمبر / ٢٠٢٥
Logo
سوريا من العزلة إلى الانفتاح
شامان حامد

بعد أربعة عشر عاماً من الحرب والنزيف، أُسدل الستار على عهد أخر حكام عائلة الأسد في ديسمبر 2024، لتدخل سوريا مرحلة جديدة من تاريخها السياسي بقيادة الرئيس أحمد الشرع. ليكون العام الأوحد فقط كافياً لتتحول البلاد من "دولة منبوذة" إلى طرفٍ فاعل في معادلات الإقليم، في مشهد وصفه المحلل الأميركي سيث فرانتزمان بـ"التحول الجنوني من العزلة إلى الانفتاح"، بعد تآكل داخلي وضغوط إقليمية ودولية متراكمة من العزلة والعقوبات، وعلى رأسها "قانون قيصر"، بدأت بوادر تحول سياسي بعد سقوط الأسد وصعود الشرع واضعاً شعار "سوريا للجميع" كعنوان للمرحلة الانتقالية.

لقد كانت العواصم الأوربية، تنظر إلى دمشق كـ"نقطة سوداء" في خريطة الشرق الأوسط، لتبدأ في إعادة حساباتها تدريجياً، خصوصاً بعد مؤشرات الانفراج السياسي والتعاون الأمني ضد التنظيمات المتطرفة، وتسجيل الشرع إنجازات وصفت بأنها "تاريخية" خلال زمن قياسي:
 أنهى بها الحرب الداخلية عبر اتفاق وطني شامل، أعاد تموضع بلاده في المجتمع الدولي بانضمامها إلى التحالف الدولي ضد "داعش"، وأطلق مبادرات لإعادة دمج المقاتلين وإعادة النازحين، بعد تدخل السعودية وقادتها مباشرة خلال زيارة الرئيس الأمريكي للرياض لرفع العقوبات عن وسوريا ، ففي مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" بالرياض (أكتوبر 2025)، أكد الشرع أن "سوريا لم تعد عبئاً على العالم، بل شريكاً في استقراره"، محذراً في الوقت ذاته من المخاطر الاستراتيجية التي خلّفها الماضي. ليعقبه الحدث الأبرز في مسار العلاقات السورية الأميركية كان لقاء الشرع بالرئيس دونالد ترامب في نوفمبر 2025، والذي فتح الباب أمام تحول غير مسبوق في سياسة واشنطن تجاه دمشق. ليُقر الكونغرس الأميركي إلغاء قانون قيصر نهائياً ومن دون شروط، في خطوة اعتُبرت بمثابة إعلان نهاية "عقود من العقوبات" وبداية صفحة جديدة من التعاون.

وذلك ما وصفه الخبير الأميركي آرون زيلين من "معهد واشنطن" بأنها "الفرصة الأخيرة لإنقاذ الدولة السورية"، مشيداً بجهوده في تفكيك الفصائل المسلحة وتوحيد المؤسسة العسكرية. بل وأعده المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري بأنه "أهم خطوة لصالح الشعب السوري منذ اندلاع الحرب"، فيما رأى الدبلوماسي ويليام روبوك أن رفع العقوبات "سيعيد تنشيط الاقتصاد ويفتح أبواب الاستثمار من الخليج وأوروبا". وبينما اعتبر أندرو تابلر أن القرار يحمل رمزية سياسية واقتصادية، فإنه حذر من أن "الفرصة الحالية مشروطة بإصلاحات حقيقية تتعلق بالشفافية وسيادة القانون".

 

لقد بدأت الحكومة السورية الجديدة تنفيذ حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية، تضمنت تمثيلاً أوسع للأقليات في البرلمان والوزارات، وتعديلات على القوانين الاقتصادية لتشجيع الاستثمار، إلى جانب تعزيز دور القضاء المستقل ومحاربة الفساد. حيثُ كانت الانتخابات البرلمانية الجزئية التي جرت في أكتوبر 2025، "خطوة رمزية لكنها مهمة في طريق بناء شرعية جديدة"، رغم أنها لم تشمل بعض المناطق الكردية والدرزية.

إن شراكة سوريا دوليا في إعادة التوازن، برز فيه الدور السعودي كأحد أبرز الداعمين للتحول السوري. فمنذ مؤتمر الرياض في أكتوبر، لعبت المملكة دور الوسيط الفاعل بين واشنطن ودمشق، وأسهمت في تسريع إلغاء العقوبات وتهيئة بيئة سياسية جديدة للانفتاح. حيثُ أقنع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إدارة ترامب بضرورة دعم سوريا اقتصادياً وسياسياً، ضمن رؤية أشمل لإعادة بناء الإقليم على أسس من الاستقرار والتنمية المشتركة، وبالتالي فالسعودية اليوم تدفع باتجاه مشاريع استثمارية في الطاقة والإعمار والبنية التحتية، في إطار رؤية إقليمية تهدف إلى تحصين المشرق من عودة الفوضى في ظل تحديات ضخمة أمام الحكم الجديد في دمشق رغم المؤشرات الإيجابية الحالية، فالمشهد الاقتصادي هش، إذ تحتاج البلاد إلى أكثر من 200 مليار دولار لإعادة الإعمار، بينما تواجه الحكومة اختباراً حقيقياً في إدارة التنوع الطائفي والإثني.
 

تبدو سوريا أمام مفترق طرق تاريخي. فمن جهة، هناك دعم دولي وإقليمي متزايد لإعادة دمجها في النظام العالمي؛ ومن جهة أخرى، يواجه الشرع تحدياً حقيقياً في ترسيخ إصلاحاته وتحويل الانفتاح إلى استقرار دائم. لكن المؤكد أن واشنطن، التي قادت لسنوات حملة "العقوبات والعزلة"، باتت اليوم ترى في دمشق شريكاً محتملاً في محاربة الإرهاب وضمان توازن الشرق الأوسط الجديد... بالفعل قد تكون البداية الحقيقية لعودة سوريا إلى خريطة الاستقرار الدولي .

ليفانت: د. شامان حامد

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!