الوضع المظلم
الأربعاء ١٧ / ديسمبر / ٢٠٢٥
Logo
التشريح النفسي - الاجتماعي للانفصام العلوي
التشريح النفسي - الاجتماعي للانفصام العلوي

تطرح الظاهرة التي نشهدها في الساحل السوري إشكالية معقدة متعددة الأبعاد. كيف يمكن لجماعة شارك أغلبها في قمع ثورة شعبية على مدى أربعة عشر عامًا وانخرطت في منظومة استبداد طائفي دام نصف قرن، أن تتحول بعد سقوط نظامها إلى موقع "الضحية" المطالبة بالحماية والحقوق؟ كيف نفسر هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الثوري السابق عن "الشعب السوري واحد" والخطاب العلوي الحالي "الدم العلوي واحد"؟ وما الآليات النفسية والاجتماعية التي تمكن جماعة من إنكار تورطها الجماعي في العنف المنهجي، بل وقلب السردية لتصوير نفسها كضحية محتملة؟ هذه الدراسة تسعى لتفكيك هذا "الانفصام" من زوايا متعددة: النفسية، الاجتماعية، السياسية، والأنثروبولوجية، مع التركيز على مفهوم الهوية الجماعية المأزومة وسيكولوجيا فقدان السلطة الطائفية.

التشريح النفسي - الاجتماعي للانفصام العلوي:

القسم الأول: التأسيس النظري من المرجعية العربية-الإسلامية

1 ابن خلدون وسيكولوجيا العصبية المنهارة: 
في المقدمة، يحلل ابن خلدون كيف أن الجماعة التي تفقد سلطتها "المَلَك" تعاني من تفكك عصبيتها وانهيار سرديتها المشروعة لوجودها، يقول ابن خلدون: "إذا ذهب الملك عن قوم، ذهبت عنهم العصبية، وإذا ذهبت العصبية تفرقوا وذلوا". لكن ما يحدث مع العلويين اليوم ليس مجرد "ذهاب ملك"، بل انهيار منظومة سلطة طائفية ارتبطت بها هويتهم الجماعية لنصف قرن. هنا، لا تتفكك العصبية فحسب، بل تدخل في حالة دفاعية تشنجية تحاول إعادة إنتاج نفسها عبر خطاب مظلومية معكوس. ابن خلدون يشير أيضًا إلى أن الجماعة المهزومة تلجأ إلى "التأويل الأسطوري" لتاريخها لتبرير انهيارها: "وقد يعتذرون بأن الزمان غلبهم أو أن الدهر خانهم"، هذا التأويل نراه في خطاب "المؤامرة على العلويين" الذي يتجاهل مسؤوليتهم الفعلية.

2 مالك بن نبي: القابلية للاستبداد والهوية الطفيلية:  
يُطور مالك بن نبي مفهوم "القابلية للاستعمار" في كتابه "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي"، الذي يمكن تطبيقه هنا بصيغة "القابلية للاستبداد". يرى بن نبي أن الجماعة التي تنخرط في منظومة استبداد لا تكون مجرد ضحية، بل تصبح شريكة وظيفية في إعادة إنتاج هذه المنظومة. العلويون، في هذا السياق، لم يكونوا مجرد "قاعدة شعبية" للنظام، بل أصبحوا طبقة وظيفية مرتبطة عضوياً بآلة القمع (الأمن، الجيش، الإدارة). هذا الارتباط الوظيفي خلق ما يسميه بن نبي "الهوية الطفيلية"، وهوية لا تعرّف نفسها بإنجازها الحضاري أو مشروعها الأخلاقي، بل بموقعها في بنية السلطة. عندما تنهار هذه البنية، تنهار معها الهوية، فتلجأ الجماعة إلى آليات دفاعية بدائية: الإنكار، الإسقاط، والانسحاب إلى خطاب ماضوي "الدم العلوي واحد".

3 برهان غليون: الطائفية كبنية سياسية لا دينية:
في "نقد السياسة: الدولة والدين"، يحلل برهان غليون كيف أن الطائفية في السياق السوري ليست ظاهرة دينية بل بنية سلطة سياسية تستخدم الدين كأداة تعبئة. النظام السوري، بحسب غليون، حول العلوية من طائفة دينية مهمشة إلى طائفة سلطة مهيمنة، لكنه في المقابل جعلها رهينة سياسية لبقائه. هذا التحويل خلق توحدًا قسريًا بين الطائفة والنظام، حيث أصبحت كل مصلحة فردية أو جماعية للعلويين مرهونة ببقاء النظام، وأصبح كل تهديد للنظام تهديدًا وجوديًا للطائفة. لذلك، يُفهم السقوط كـّ كابوس وجودي.

يشير غليون إلى أن هذا النوع من الطائفية السياسية ينتج "وعيًا زائفًا" لدى الطائفة، وعي يرى نفسه كضحية دائمة (حتى وهو في السلطة) 

لقراءة الدراسة كاملة اضغط على (الرابط هنا)

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!