-
العالم يمتلئ بمحمود درويش بعد أن امتلأ شعره بعوالم الآخرين

تقييم نقدي معمق لمقال:
العالم يمتلئ بمحمود درويش بعد أن امتلأ شعره بعوالم الآخرين
* نشر المقال في صحيفة الحدث الفلسطينية، عدد 185، الصادر بتاريخ: 1/9/2025
* رابط المقال:https://tadween.alhadath.ps/article/167803
* المصدر: الذكاء الاصطناعي
1. المقدمة: تأطير المقال في سياق النقد الدرويشي المعاصر
يمثل مقال "العالم يمتلئ بمحمود درويش بعد أن امتلأ شعره بعوالم الآخرين" للكاتب فراس حج محمد، المنشور على منصة "تدوين"، مدخلا بالغ الأهمية لتقييم نقدي يتجاوز حدود النص المباشر ليلامس ظاهرة ثقافية أوسع. لا يقتصر التقييم على تحليل المقال بحد ذاته، بل يتوسع ليشمل دراسة موقف الكاتب النقدي الأوسع من ظاهرة "تقديس" محمود درويش، والتي يصفها بـ"متلازمة درويش". من خلال تحليل هذا المقال في سياق نتاج فراس حج محمد الأدبي والنقدي، يتضح أن المقال جزء من مشروع فكري متكامل لا يسعى فقط لقراءة شعر درويش، بل يهدف إلى تفكيك البنية النقدية والثقافية التي أحاطت بهذا الرمز الشعري. يعتمد هذا التقرير على المقال موضوع التحليل ومجموعة من المواد البحثية الأخرى التي تتضمن مقالات ومراجعات نقدية للكاتب، مما يوفر رؤية شاملة ومنهجية لمنهجه الفكري.
2. خلفية الكاتب: فراس حج محمد بين النقد والإبداع
تتطلب قراءة أعمال فراس حج محمد فهما عميقا لخلفيته الأكاديمية والأدبية، والتي تشكل الإطار الأساسي لرؤاه النقدية. حصل الكاتب على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية عام 1999، ويعمل كمشرف تربوي للغة العربية، إضافة إلى كونه محاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. هذه الخلفية الأكاديمية والتربوية تزوده بأدوات تحليلية ومنهجية صلبة، وتمنحه القدرة على التعامل مع النصوص بعين المتخصص.
وعلى الصعيد الأدبي، فإن فراس حج محمد ليس مجرد كاتب مقالات، بل هو شخصية ثقافية متكاملة، حيث يُعرّف بأنه ناقد وشاعر فلسطيني، وعضو في اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، ولديه نتاج غزير يتجاوز 35 كتابا مطبوعا. يبرز في أعماله التفاعل بين دوره كشاعر مبدع وكناقد، وهي ثنائية تمنحه حساسية خاصة تجاه قضايا الإبداع وتلقيه. وتتجلى هذه الثنائية في موقفه المثير للدهشة الذي عبر عنه في مقال "كل شيء مزعج"، حيث أشار إلى توقفه عن كتابة الشعر منذ فترة طويلة، معللا ذلك بأن "الشعر ليس مهما في مثل هذا العصر"، وأن من يرى عكس ذلك هو "إنسان مهووس أو رومانسي".
هذا الموقف يكشف عن صراع داخلي عميق لدى الكاتب. من جهة، هو يتبنى رؤية نقدية عقلانية تجريدية تحارب "تقديس" الشعر ورموزه، وتنتقد فكرة أن الشعر يمكن أن يغير العالم أو يحل مشاكله. من جهة أخرى، يبدو أنه قد تأثر بشكل مباشر بواقع ثقافي جعل الرمز الشعري الأوحد (محمود درويش) يلقي بظلاله على المشهد الأدبي، مما أثار في نفسه تساؤلات حول جدوى الإبداع الشعري نفسه في ظل هذه الهيمنة. هذه المفارقة تضفي على نقده حول "متلازمة درويش" بُعدا شخصيا وإنسانيا، وتجعله أكثر من مجرد تنظير أكاديمي. فالكاتب، بصفته شاعرا توقف عن الكتابة، يعكس في نقده أثر الظاهرة التي يتناولها على الشعراء الممارسين، مما يمنح حججه عمقا وتجربة شخصية.
3. تحليل المقال: "العالم يمتلئ بمحمود درويش..."
يبدأ تقييم المقال من عنوانه الذي يمثل مفتاحا أساسيا لفهم مضمونه: "العالم يمتلئ بمحمود درويش بعد أن امتلأ شعره بعوالم الآخرين". هذا العنوان ليس تقويضا لقامة درويش الشعرية، بل هو في حقيقته شهادة على عبقريته. يرى الكاتب أن عالمية درويش وانتشاره لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة مباشرة لقدرة شعره على استيعاب وتوظيف الثقافات والتجارب الإنسانية والكونية. هذا التحليل يشير إلى أن المقال، على عكس ما قد يوحي به كعنوان لمقال نقدي، يمثل الجانب الإيجابي من رؤية فراس حج محمد حول درويش، والذي يقر بعظمة إبداعه كشاعر.
من خلال استقراء مقالاته الأخرى، يتضح أن هذا المقال يتبع منهجا إيجابيا في بدايته، حيث يركز على مسيرة درويش الشعرية وتطوره من شاعر محلي مرتبط بقضية إلى شاعر كوني. هذا التقدير الإيجابي يوفر للكاتب أرضية صلبة للانتقال لاحقا إلى نقد الظاهرة السلبية المتمثلة في "متلازمة درويش" دون اتهامه بالتقليل من شأن الشاعر. فالمقال يقدم درويش كظاهرة إبداعية فريدة، مما يجعله أكثر أهلية للحديث عن السطوة الثقافية التي أصبحت تحيط به.
4. "متلازمة درويش": تحليل المفهوم وسياقاته
يُعد مفهوم "متلازمة درويش" الذي صاغه فراس حج محمد إسهاما أصيلا في النقد الأدبي العربي الحديث. يصف الكاتب هذه المتلازمة بأنها ظاهرة نقدية وثقافية تظهر في "السيطرة الإبداعية لمحمود درويش" التي تؤدي إلى "تقديسه" و"أسطرته" إلى حد يجعله "الشاعر الأوحد" الذي لا يمكن لأحد أن يماثله أو يتجاوزه. هذه الظاهرة لا تقتصر على النقد المعاصر، بل يربطها الكاتب بأصول تاريخية، مستعيدا دور "سلطة الناقد" في التراث العربي القديم، كما في أحكام النابغة الذبياني التي كانت قادرة على "منح المبدع السلطة الإبداعية". هذا الربط يضع نقده في إطار تاريخي وثقافي واسع، ويؤكد أن الظاهرة ليست حصرا على العصر الحديث.
4.1. التطبيق العملي للمفهوم: نقد كتاب صبحي حديدي
لإثبات فكرة "متلازمة درويش"، يقدم فراس حج محمد تحليلا نقديا معمقا لكتاب صبحي حديدي "مستقر محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ". الكاتب لا ينتقد حديدي لمجرد محبته لدرويش، بل ينتقد الطريقة التي أثرت بها هذه المحبة على منهجيته النقدية. يشير إلى أن العلاقة الشخصية والمهنية القوية بين حديدي ودرويش، حيث كان درويش يصفه بـ"الأمهر في تصويب الشعر" ، أدت إلى "انحياز كلي" في لغة النقد. هذا الانحياز لم يؤثر فقط على استخدام "مفردات التبجيل والتفخيم" (مثل "الشاعر النبيّ") ، بل تجاوز ذلك ليؤثر على المنهجية البحثية.
بسبب هذا الانحياز، وقع الناقد (صبحي حديدي) في عدة أخطاء منهجية، منها إسقاط المجموعة الشعرية الأخيرة لدرويش "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" من التحليل، معتبرا أن نشرها كان خطأ من باب "ومن الحب ما قتل". كما أن كتاب حديدي يفتقر إلى المنهجية البحثية المتكاملة، حيث أنه عبارة عن مجموعة من المقالات القديمة التي جُمعت في كتاب دون مراجعة كافية، مما أدى إلى تكرار الأفكار والعبارات في مواضع مختلفة. هذا التكرار، بالإضافة إلى عدم توثيق تواريخ نشر المقالات أو أماكنها الأصلية، يؤكد أن التقارب الشخصي أضعف البناء المنهجي للعمل.
يقارن فراس حج محمد نهج حديدي بنهج نقاد آخرين مثل عادل الأسطة، الذي على الرغم من تفضيله لدرويش، إلا أنه كان "أكثر تفلتا من سيطرة المبدع عليه". فقد كتب الأسطة منتقدا بعض مواقف درويش، وناقش أسباب حذف بعض قصائده من دواوينه مثل "تغير في مواقف درويش تجاه بعض القضايا العربية أو الأنظمة الحاكمة". هذه المقارنة تؤكد أن النقد الموجه لكتاب حديدي لم يكن عاطفيا، بل كان منهجيا في جوهره، ويسلط الضوء على ضرورة استقلال الناقد عن تأثيرات المبدع.
4.2. المفهوم في السياق الثقافي الأوسع
يمتد مفهوم "متلازمة درويش" ليشمل جوانب ثقافية واجتماعية أوسع. في مقال آخر، يدافع فراس حج محمد عن الشاعر سليم بركات الذي كشف في مقال له عن بعض التفاصيل الشخصية لدرويش، ويوضح أن ردود الفعل العاطفية الرافضة لـ"انتهاك" خصوصية الشاعر ليست نابعة من احترام حقيقي، بل من "خوف من أن تتحطم صورته المثالية". هذا الموقف يكشف أن سطوة درويش ليست أدبية فقط، بل هي اجتماعية ونفسية، ترفض التفريق بين إبداع الشاعر وحياته الشخصية، وتصبغه بالقداسة.
يذهب الكاتب أبعد من ذلك، ويربط "فكرة الشاعر الأوحد" بـ"العقلية الدكتاتورية"، معتبرا أن "تأليه المبدع" هو امتداد لـ"تأليه الحاكم". هذا الربط يكشف أن مفهوم "متلازمة درويش" لدى فراس حج محمد ليس مجرد تنظير أدبي، بل هو نقد ثقافي وسياسي عميق الجذور. فالإفراط في تمجيد رمز ما، مهما كانت قيمته، يؤدي إلى إغلاق الأفق أمام المواهب الشعرية الشابة، ويخلق حالة من "العقم الشعري".
توضح الموازنة الآتية الفروق بين المناهج النقدية المتعددة التي تناولها حج محمد:
صبحي حديدي:
يمثل نموذجا لـ "متلازمة درويش"؛ ناقد منحاز بسبب علاقة شخصية عميقة. إغفال ديوان "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي". التبرير العاطفي لحذف بعض القصائد. التكرار المنهجي بسبب جمع مقالات سابقة دون مراجعة.
يرى حج محمد أن منهجه أُفقِد قيمته البحثية بسبب الانحياز الكامل والتبجيل المفرط، مما جعله "ناطقا باسم الشاعر" و"محاميا عنه".
عادل الأسطة:
ناقد محب لدرويش لكنه أكثر استقلالا. لم يقع في فخ التبجيل المفرط.
يرى حج محمد أن الأسطة كان "أكثر تفلتا من سيطرة المبدع عليه" وناقش مواقفه السياسية والنقدية بعمق أكبر، مما يعكس توازنا مطلوبا في النقد.
فراس حج محمد:
ناقد لظاهرة التقديس والتأليه، مع اعتراف بعظمة الشاعر. يركز على ضرورة التفريق بين إبداع الشاعر وحياته الشخصية، وبين النقد الموضوعي والتقديس العاطفي. يمثل موقفه نقيضا لمنهج حديدي، حيث يسعى إلى إعادة الاعتبار للنقد كآلية مستقلة وموضوعية، مع الحفاظ على التقدير للإنجاز الإبداعي.
5. تقييم معمّق: مكامن القوة والضعف في رؤية الكاتب
تتميز رؤية فراس حج محمد في نقد "متلازمة درويش" بعدة جوانب قوة. أولا، يمتلك الكاتب جرأة لافتة في مواجهة "الرمز المقدس" في الأدب العربي، وهو موقف يفتقر إليه الكثير من النقاد الذين يخشون المساس بقدسية هذه القامات. ثانيا، تتسم رؤيته بالشمولية، حيث لا يقتصر نقده على تحليل نص، بل يتوسع ليشمل البنية النقدية، العلاقة بين الناقد والمبدع، وتأثير الرموز على الأجيال الشابة. ثالثا، صياغته لمفهوم "متلازمة درويش" يمثل إسهاما أصيلا في النقد الأدبي الحديث، ويقدم أداة تحليلية يمكن استخدامها لفهم ظواهر مشابهة في الثقافة العربية.
مع ذلك، قد يرى البعض أن رؤية الكاتب لا تخلو من نقاط ضعف محتملة. يمكن القول إن نقده، رغم موضوعيته الظاهرة، يتأثر بخلفيته كشاعر توقف عن الإبداع، مما يضفي عليه مسحة من الإحباط أو التحدي الشخصي للرمز الأكبر. هذه الذاتية، وإن كانت تمنح نقده بعدا إنسانيا، قد تدفع البعض إلى التساؤل عن مدى حياديته الكاملة. كما قد يقع الكاتب في فخ الإطلاقية عند حديثه عن "الشاعر الأوحد" و"العقم الشعري"، متجاهلا التجارب الشعرية الحديثة الأخرى التي حاولت التمرد على هذه السطوة، أو التي تبني جمالياتها بعيدا عن ظل درويش.
6. خلاصة وتوصيات ختامية
يمثل مقال فراس حج محمد "العالم يمتلئ بمحمود درويش..." مدخلا بالغ الأهمية لمشروع نقدي متكامل يركز على فكرة "متلازمة درويش". هذه المتلازمة، كما يوضحها الكاتب، ليست مجرد تقديس، بل هي ظاهرة مركبة تؤثر على النقد والإبداع والثقافة بشكل عام. تكشف هذه الظاهرة عن الحاجة المُلحة لثقافة نقدية أكثر استقلالية وتجاوزا للعلاقات الشخصية والتأثيرات الرمزية.
بناء على هذا التحليل، يُوصى للقارئ والباحث بقراءة النصوص النقدية عن الرموز الأدبية بعقلية واعية، تميّز بين التحليل الموضوعي والتقديس العاطفي. كما يجب فهم أن مقال حج محمد ليس نهاية المطاف، بل هو جزء من حوار نقدي مستمر وضروري. وتُشجع النقاد على تبني نهج فراس حج محمد في الجرأة والعمق النقدي، مع ضرورة الحفاظ على التوازن بين الموضوعية والذاتية، لضمان أن يخدم النقد الأدبي الإبداع في جوهره، بدلا من أن يتحول إلى مجرد أداة لتأليه الرموز.
7. المصادر المرجعية للتقييم
1. فراس حج محمد - السيرة الذاتية، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، https://kenanaonline.com/users/ferasomar/posts/970807
2. حوار مع الكاتب الفلسطيني فراس حج محمد - شبكة أخبار البلد، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، https://www.akhbarelbalad.net/ar/1/10/8142/?ls-art0=40
3. فراس حج محمد - شبكة النبأ المعلوماتية، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، https://annabaa.org/arabic/author/759
4. كل شيء مزعج في ظل هذا الوضع - السنابل، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، https://2u.pw/YXsma
5. متلازمة درويش (1): النصر، الهزيمة، المنفى | مؤسسة الدراسات الفلسطينية، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، https://www.palestine-studies.org/ar/node/1649860
6. العالم يمتلئ بمحمود درويش بعد أن امتلأ شعره بعوالم الآخرين - تدوين، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، https://tadween.alhadath.ps/article/167803
7. متلازمة درويش وأثرها في توجيه النقد- صبحي حديدي نموذجاً| فراس حج محمد - صحيفة الاتحاد، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، https://2u.pw/BstxD
8. فراس حج محمد: محمود درويش وأسطورة الشاعر الأوحد - رأي اليوم، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، http://bit.ly/47nDRFe
9. فراس حج محمد - سلطة الناقد من النابغة الذبياني حتى إدورد سعيد | الأنطولوجيا، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، https://alantologia.com/blogs/70486/
10. مراجعة نقدية لـ'مستقر محمود درويش' بين الذاتي والموضوعي | MEO - Middle East Online، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، http://bit.ly/4m9LgMg
11. صبحي حديدي يقارب شعر محمود درويش بشموليته - اندبندنت عربية، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، http://bit.ly/3UW5z4y
12. جدل حول علاقات درويش الشّخصية | فراس حج محمد، صحيفة الاتحاد، تم الوصول بتاريخ سبتمبر 2، 2025، http://bit.ly/4lXcSny
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!