-
هل خرج الشعب السوري فعلا من ثورته؟

وهل يمكن لثورة ولدت من رحم الكرامة والظلم والدماء ،أن تختزل إلى ذكرى ؟
من يعرف نبض الناس في الداخل، ومن يصغي جيدا إلى لغة الصمت وملامح التعب، يعلم أن شيئا لم يحسم بعد، وأن السوري لم يسلم بما جرى، ولم يسلم ما خرج لأجله .
بل لعل الثورة، على ما تراكم فيها من ألم وشتات، ما تزال تعيش في الوجدان الجمعي كأمانة غير مكتملة، وكوعد مؤجل، لا كقصة منتهية .
لكن في الوقت نفسه ، تتوالى التحولات من حولنا بوتيرة متسارعة، تثير القلق وتستدعي التوقف .
فما الذي يعنيه هذا التصعيد الإسرائيلي المتكرر؟
هل هي سياسة ضغط محسوبة ، أم دفع نحو مزيد من التطرف ، أم رسائل ميدانية ترسل إلى الداخل والخارج أن لا حل إلا بالتطبيع المذل ؟
وهل الشعوب المقموعة والمنهكة باتت بيئة مضمونة للصمت؟ أم أن هناك احتقانات تتراكم بصمت ، في انتظار لحظة انفجار قد لا يحسن أحد توقعها أو احتوائها ؟
ومع هذا الغموض، يظهر عامل آخر لا يقل خطورة ،
غياب الشفافية، وضبابية القرار، وانقطاع الصلة بين من يدير الواقع ومن يعيش تبعاته .
كيف يمكن تفسير أن كثيرا من التطورات المصيرية التي تمس أمن البلد تعرف من الإعلام الغربي أو تسريبات صحفية قبل أن تعرف من مصادر محلية ؟
أليس من حق الناس أن يعرفوا؟ أن يخاطبوا؟ أن يصغى إليهم ؟
وهل يجوز أن تدار البلاد وكأنها حقل مغلق ، لا يحق لأهلها السؤال عما يجري فيها ، بينما تتحرك قرارات كبرى دون نقاش أو توضيح ؟
جراح الثورة لا تزال مفتوحة ، لا عدالة انتقالية حقيقية ، ولا محاسبة شفافة ، و لا إعلام مسؤول ، بل إعلام بلغة خشبية و بصيغة بيانات مللنا منها على مدى عقود .
هذا الغياب ليس تفصيلا إداريا ، بل جزء من أزمة ثقة عميقة .
فكيف نبني مستقبلا بلا ثقة متبادلة ، وكيف نقنع الناس بمشروع وطني لا يبدأ بالإنصاف ، و لا يطهر الأرض من الجريمة ؟
كيف يمكن فصل مشهدنا المحلي عن مشاهد القتل و الجوع في غزة ؟
أليست كلها تعبيرا عن الخلل ذاته ؟
عن منظومة تفتك بالشعوب ، وعن عالم يتواطأ بصمته ، أو يشارك بصوته ؟
ألا تساهم هذه المشاهد، مع ما فيها من تجويع وقصف وتآمر ، في إعادة صياغة وعي جديد، قد يكون حادا، ناقما، أو متمردا على كل السرديات القديمة ؟
وهنا يبرز السؤال الجوهري :
هل نحن مستعدون فعلا للمستقبل القريب ؟
هل لدينا تصور واضح لإدارة المرحلة ؟
هل نسعى إلى تحصين الجبهة الداخلية، وسحب الذرائع، وبناء خطاب وطني متماسك ؟
أم أننا ما زلنا أسرى لحظة غير محسومة ، بين نشوة نصر لم تكتمل، ونشوة لا مبالاة تنذر بالتآكل البطيء ؟
وهل صمت النخب الثورية اليوم هو صمت الحكمة ؟ أم أنه انكفاء عن المسؤولية ؟
وهل الساحة السياسية والاجتماعية مهيأة فعلا لأن تنفتح على النقد والمراجعة والتصويب ؟
أم أننا ما زلنا نُغلق الملفات بحجة "الظرف الحرج"، بينما ينفلت الزمن من بين أيدينا ؟
الواقع لا ينتظر المترددين، ولا يعترف بمن يظن أن الإنكار بديل عن الحل.
وقد يكون أخطر ما في المرحلة، أن تظل الأسئلة الكبرى معلقة، بلا إجابات، وبلا إرادة حقيقية للبحث عنها .
لعل أول خطوة في هذا الطريق ،أن نعترف بأن هناك جمرة تحت الرماد...
وأن نسأل أنفسنا بصدق ، هل سننتظر الريح لتشعلها ؟ ، أم نبادر نحن بوعي ومسؤولية لإعادة صياغة الحاضر قبل أن يصاغ عنا ؟
----------------
معظمنا يعيش نفس الأسئلة بصيغ مختلفة ، لكنها الحيرة ذاتها ، و فوضى مواقع التواصل دليل على خراب في الوعي ، و تفرق أساسه الغضب و عدم الرضا .
الباحث والكاتب نايف أيوب شعبان
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!