الوضع المظلم
الإثنين ٠٤ / أغسطس / ٢٠٢٥
Logo
  • هل يمكن إسقاط نظام الملالي من الداخل؟

  • قراءة استراتيجية في احتمالات التغيير في إيران وسط التعتيم الإعلامي
هل يمكن إسقاط نظام الملالي من الداخل؟
عبدالرزاق الزرزور

في خضم المشهد الإقليمي والدولي المتقلب، تبقى إيران محط أنظار الشعوب والحكومات، لا لثقلها الجيوسياسي فحسب، بل لما يمثله نظام "ولاية الفقيه" من نموذج سياسي متمسح بالعقيدة الذي أثار جدلاً واسعًا منذ قيام الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979والتي سلبها ملالي إيران.. لكن السؤال الذي بات يطرح بإلحاح في السنوات الأخيرة وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية والاتساع الكمي والنوعي الكبير لحملات وحدات المقاومة الإيرانية التابعة لمنظمة مجاهدي خلق المنظمة المحورية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.. أضف إلى ذلك الانهيار الاقتصادي الشديد هو: هل يمكن إسقاط نظام الملالي من الداخل؟ وما هي السبل الممكنة لتحقيق ذلك في ظل تعتيم إعلامي عربي وغربي على الجرائم المرتكبة بحق الشعب الإيراني؟، وفي هذه القراءة نوضح العديد من الأسباب.


أولاً: الأسباب الكامنة خلف دعوات التغيير
لا يمكن تحليل احتمالية سقوط النظام الإيراني من الداخل دون فهم البنية السياسية والأمنية التي تحكم البلاد.. فلقد أقام النظام الإيراني منذ عقود كياناً ثيوقراطياً تتداخل فيه السلطات الدينية مع السياسية، وتُدار معظم مفاصل الدولة عبر الحرس الثوري الإيراني (IRGC) الذي يتحكم ليس فقط بالأمن والعسكر.. بل بالاقتصاد والإعلام وحتى القضاء؛ إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا دراماتيكيًا في مستويات الغضب الشعبي، لعدة عوامل رئيسية:

الاقتصاد المنهار نتيجة العقوبات الغربية وسوء الإدارة الداخلية.
الفساد المستشري في كافة مؤسسات الدولة لاسيما في قطاعات النفط والبنية التحتية.
القمع الدموي الذي طال مئات آلاف الإيرانيين في احتجاجات 2009، و2017، و2019، و2022 خاصة بعد مقتل الفتاة المغدورة "مهسا أميني".


الهوة المتزايدة بين الشعب خصوصًا شريحة الشباب، وبين المؤسسة الدينية الحاكمة التي فقدت شرعيتها بنظر فئات واسعة من كافة مكونات الشعب الإيراني.
ثانيًا: التعتيم الإعلامي وازدواجية المعايير
شَكل ويُشكل التعتيم الإعلامي على الجرائم المرتكبة بحق الشعب الإيراني أحد أبرز العوائق في طريق التغيير.. فالإعلام العربي الرسمي ــ لأسباب سياسية أو مصالح مع القوى الكبرى ــ يتجنب تغطية ما يجري داخل إيران من انتهاكات لحقوق الإنسان واضطهاد للأقليات.. فيما يلتزم الإعلام الغربي غالبًا بـ خطابًا مزدوجًا يركز على الملف النووي الإيراني أكثر من التركيز على الوضع الداخلي للشعب، وقد لاحظ مراقبون أن أحداثًا دموية في إيران أوقعت مئات القتلى وآلاف المعتقلين لم تحظَ بالتغطية نفسها التي تحظى بها أحداث مشابهة في دول أخرى، ما يعكس نوعًا من التواطؤ أو الانتقائية في تناول قضايا حقوق الإنسان في إيران.
ثالثًا: هل يمكن التغيير من الداخل؟
رغم القبضة الحديدية التي يحكم بها النظام فإن عوامل عدة تشير إلى أن التغيير من الداخل ليس ممكنا فحسب بل بات أمراً حتمياً مؤكدا على المدى القريب في ظل تصعيد المقاومة الإيرانية في الخارج والداخل.. لكن هذا التغيير مرهونا بالموقف الدولي المساوم والمهادن مع نظام الملالي الحاكم في إيران، وفي هذا الصدد أكدت السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة الإيرانية على حتمية وإمكانية التغيير واستعداد الشعب الإيراني لذلك عندما رفضت سياسة الحروب وطرحت الخيار الثالث أمام البرلمان الأوروبي كحل جذري قائلة: "لا للحرب.. لا للمساومة والمهادنة.. نعم للتغيير من الداخل على يد الشعب الإيراني.. مضيفة اتركوا الشعب الإيراني يقرر مصيره بنفسه".
2. التشظي داخل بنية النظام
هناك تقارير متزايدة عن انقسامات داخل المؤسسة الحاكمة، وحتى داخل الحرس الثوري نفسه بين جناح "المرشد" المتشدد، وجناح براغماتي يرى أن الإصلاح قد يكون السبيل الوحيد لإنقاذ النظام.. في حين أن الشعب لم يعد يؤمن بالإصلاح في إيران مفردة وتوجهاً بعد أربعة عقودٍ ونصف من مراوغة النظام وتقسيمه الأدوار بين الإصلاحيين والمحافظين من أجل الحفاظ. 
3. تكرار الانتفاضات
منذ 2009 وحتى الآن تتكرر الاحتجاجات بوتيرة متصاعدة، وهو ما يُظهر أن الشعب الإيراني لم يخضع بعد ولم يستسلم بل يُراكم تجربة مقاومة نضالية ناضجة ومتصاعدة قد تصل في لحظة تاريخية مفصلية إلى نقطة اللاعودة عن إسقاط النظام مهما بلغت تكلفة ذلك.
4. الدور المتنامي للمرأة
الحراك النسوي في إيران أصبح قوة لا يمكن تجاهلها امتدادا لنهضة المرأة وريادتها واقتداءً بها في منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، وهو ما يفتح المجال لتحالفات داخلية أوسع يمكن أن تعيد تشكيل التوازنات الاجتماعية والسياسية.
رابعًا: السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول: انهيار تدريجي بفعل تراكم الضغوط الداخلية وحراك وحدات المقاومة، وهو الأكثر احتمالًا.
السيناريو الثاني: انقلاب داخلي ناعم أو عسكري تقوده قوى إصلاحية من داخل الحرس الثوري وهو ما سيبقي محنة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة قائمة متفاقمة.
السيناريو الثالث: استمرار الوضع على ما هو عليه لعقد آخر مع قمع أشد وتحكم مطلق في ظل سياسة المهادنة والمساومة الغربية مع النظام، لكن ذلك مرهون بقدرة النظام على الصمود أمام الضغوط الشعبية والاقتصادية والسياسية.


خلاصة القول
رغم التعتيم الإعلامي المفروض عربيًا وغربيًا، ورغم سطوة القمع الأمني إلا أن مؤشرات كثيرة تؤكد أن النظام الإيراني يواجه أزمة وجود حقيقية.. والتغيير من الداخل ليس مستحيلًا بل بات ضرورة حتمية للشعب الإيراني التوّاق للحرية بشرط أن يستمر في مقاومته، وأن يحظى بدعم أخلاقي وإعلامي عالمي حقيقي يكسر جدار الصمت والمهادنة الداعم لنظام الملالي.. هذا الجدار الذي يفعله الغرب حتى اليوم وفي سياقه يتغاضى عن كل انتهاكات النظام الكارثية.. وكما تغاضى عن مجزرة الإبادة الجماعية صيف سنة 1988 وغيرها من المجازر التي وقعت بحق منظمة مجاهدي خلق سواء في إيران أو في العراق؛ تغاضى اليوم عن إعدام خصوم رأي من الشباب الثائرين من أنصار منظمة مجاهدي خلق، وقد يتغاضى عن وقوع وتكرار مجازر مماثلة بحق الشعب الإيراني.


وهنا لا ندعو الشعب الإيراني أن يركن إلى أحد في معركته المصيرين وليصعد من ثورته ويقف إلى جانب المقاومة الإيرانية للتعجيل بإسقاط النظام ونيل حريته.. كما علينا نحن أبناء الشرق الأوسط أن ندرك بأن سقوط نظام الملالي هو خلاص للمنطقة بأسرها وليس إيران فحسب.. وهنا أعود لأتساءل هل يكون التغيير القادم إيراني الصنع خالصًا من عمق الشارع كما حدث في أنظمة أخرى أم أننا سنسمح للغرب أن يملي علينا طغاةً جُدد؟
الزمن كفيل بالإجابة... ولكن التاريخ لا يرحم من يقف في وجه الشعوب….

بقلم: [الناشط الحقوقي والسياسي السوري المحامي عبدالرزاق الزرزور]
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!