-
شبكات الظلّ الإيرانية في قلب أوروبا: كيف حوّل نظام الملالي الشركات السويدية إلى واجهات للتجسس السيبراني
مقدمة تحليلية
لم تعد التهديدات الإيرانية للأمن الأوروبي محصورة في الصواريخ الباليستية أو الميليشيات العابرة للحدود. اليوم، يتقدّم الفضاء السيبراني بوصفه الساحة الأكثر فاعلية التي يستخدمها نظام الملالي لاختراق الدول الديمقراطية، مستندًا إلى شبكة معقّدة من الشركات الوهمية التي تعمل كواجهات قانونية لأنشطة استخباراتية عدائية.
السويد، بما تمثّله من بيئة أعمال مفتوحة وبنية رقمية متقدمة، تحوّلت – دون قصد – إلى إحدى نقاط الارتكاز لهذه العمليات.
أولًا: من طهران إلى ستوكهولم… هندسة الاختراق
تكشف التحقيقات الأمنية الأوروبية عن نمط متكرر: شركات مسجّلة قانونيًا في السويد، تعمل ظاهريًا في مجالات البرمجيات، الاستشارات التقنية، أو الأمن السيبراني، لكنها في الواقع تؤدي دورًا مزدوجًا.
هذه الكيانات توفّر غطاءً قانونيًا لعمليات جمع معلومات حساسة، تشمل:
مؤسسات حكومية أوروبية
شركات دفاع وطاقة
معارضين إيرانيين في المنفى
مراكز أبحاث وصحافة استقصائية
اللافت أن هذه العمليات لا تُدار من "قراصنة مستقلين"، بل من وحدات مرتبطة مباشرة بـحرس النظام الإيراني، الذي يجمع بين الوظيفة العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية في آن واحد.
ثانيًا: حرس النظام… ذراع استخباراتية لا شركة تقنية
بعكس الصورة التي يحاول النظام تصديرها، فإن حرس النظام الإيراني ليس مجرد قوة عسكرية، بل منظومة أمنية شاملة تعتمد على:
التجنيد التقني لمبرمجين داخل وخارج إيران
استخدام شركات أوروبية كوسيط للتعاقدات والتمويل
تشغيل بنى تحتية رقمية داخل دول الاتحاد الأوروبي
هذا الأسلوب يسمح للنظام بتنفيذ هجمات تجسس مع إنكار معقول، ويُصعّب عملية الربط القانوني المباشر بين النشاط العدائي وطهران.
ثالثًا: فشل أوروبي في قراءة طبيعة التهديد
المشكلة لا تكمن فقط في عدوانية النظام الإيراني، بل في قصور الاستجابة الأوروبية.
لا تزال العديد من الحكومات تتعامل مع هذه الاختراقات باعتبارها:
جرائم إلكترونية معزولة
أو تجاوزات شركات خاصة
في حين أنها في الواقع جزء من عقيدة أمن قومي إيرانية تهدف إلى:
التأثير على السياسات الأوروبية
ابتزاز صناع القرار
إسكات المعارضين
وجمع معلومات تمكّن طهران من التفاوض من موقع قوة
رابعًا: التداعيات الاستراتيجية
إن السماح باستمرار هذه الشبكات يعني عمليًا:
تحويل أوروبا إلى ساحة مفتوحة لأجهزة استخبارات معادية
تعريض مفاوضات سياسية وقرارات سيادية للتلاعب
تشجيع روسيا، الصين، وأنظمة أخرى على نسخ النموذج الإيراني
والأخطر من ذلك، أنه يبعث برسالة ضعف مفادها أن الديمقراطيات يمكن اختراقها من الداخل باسم الانفتاح الاقتصادي.
توصيات مباشرة لصنّاع القرار
تصنيف حرس النظام الإيراني منظمة إرهابية على المستوى الأوروبي، بما يشمل أذرعه السيبرانية.
تشديد آليات فحص الملكية الحقيقية للشركات التقنية المسجّلة في أوروبا.
إنشاء وحدة أوروبية مشتركة لرصد الشركات الوهمية المرتبطة بدول معادية.
فرض عقوبات فورية على الكيانات والأفراد المتورطين، دون انتظار "أدلة جنائية مكتملة" بمعايير زمن السلم.
حماية المعارضين الإيرانيين في أوروبا باعتبارهم أهدافًا استخباراتية عالية الخطورة.
الخاتمة
لم يعد السؤال هو ما إذا كان نظام الملالي يتجسس على أوروبا، بل إلى أي مدى سيسمح له الأوروبيون بالاستمرار.
في عصر الحروب الرمادية، فإن التقاعس لا يُفسَّر كحياد، بل كضوء أخضر. والنتائج، هذه المرة، لن تكون افتراضية.
إن السماح لنظام الملالي بالعمل داخل أوروبا تحت غطاء قانوني هو فشل أخلاقي وأمني في آن واحد.
ففي عالم اليوم، الدولة التي لا تدافع عن فضائها الرقمي، تفقد حقها في ادّعاء السيادة.
والتاريخ لا يرحم من يرى الخطر، ثم يختار الصمت.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!

