-
ماذا يفعل الشرع في البيت الأبيض؟ صفقة أم تسليم للجنوب وارتهان دولي علني؟
في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يدخل أحمد الشرع إلى البيت الأبيض، الرجل الذي كان قبل ثماني سنوات على قوائم المطلوبين بمكافأة عشرة ملايين دولار. لكن خلف عدسات المصورين تُطبخ صفقة ثقيلة تجمع بين رفع العقوبات، وإعادة ضباط من النظام السابق، وترتيب أمني جديد في الجنوب السوري، وهندسة محدثة لآلية دمج وإعادة إنتاج القطاع الأمني.
بحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تسعى الإدارة الأمريكية إلى “إعادة دمج ضباط النظام السابق غير المتورطين بجرائم حرب ضمن تشكيلات عسكرية جديدة، مقابل تفكيك خلايا داعش في الجنوب”. فيما يرى أتلانتيك كاونسل أن ما يجري هو “تحالف مؤقت يعيد إنتاج أدوات النظام بوجه محدث”.
اللافت في هذا المسار هو الدور البريطاني؛ إذ كانت لندن من أوائل الدول التي رفعت العقوبات عن مؤسسات النظام الجديد. ففي نيسان/أبريل الماضي، أزالت بريطانيا العقوبات عن 12 جهة سورية بينها وزارتي الدفاع والداخلية، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها تمهيد لإطلاق ملف إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
لكن جوهر الزيارة لا يتعلق – في جوهره – بمحاربة الإرهاب، بل بإعادة هندسة الجغرافيا وفق توافق دولي جديد. فقد كشفت هآرتس وجيروزالِم بوست عن دفعٍ إسرائيلي نحو اتفاق أمني يعيد رسم حدود السيطرة حتى أطراف السويداء، مع “ممر إنساني للدروز” ومنطقة منزوعة السلاح تحت إشراف تل أبيب المباشر، في نسخة محدثة من اتفاق فصل القوات لعام 1974.
من جهتها، تسعى واشنطن إلى إنهاء الملف الجنوبي قبل نهاية العام، عبر تمويل سعودي–إماراتي في درعا والسويداء، وفق ما نقلت رويترز. ويبدو أن هذا التمويل يفسر البيان الأخير للخارجية الأمريكية الذي دعا “الدول الشريكة إلى تقديم المساعدات الحيوية للشعب السوري”، وهو ما يشبه جزرة اقتصادية مقابل القبول بتقسيم واقعي للجنوب.
أما الأخطر في ملف إعادة هيكلة القطاع الأمني، فهو ما كشفته CBS News عن تعاونٍ بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وما يسمى “الجيش السوري الجديد”. إذ نقلت القناة عن مظلوم عبدي قوله إنهم مستعدون لتسليم أمن دير الزور “لضباط محترفين من النظام القديم لا للجهاديين”. عبارة تختصر التحول كله: ثورة بدأت ضد أجهزة الأمن، تعود اليوم لتدار بالأدوات ذاتها ولكن تحت لافتة جديدة.
السلطة المؤقتة التي يمثلها الشرع تُقدَّم في واشنطن كـ«نقطة توازن» بين المتناقضات، لكنها – كما كتب Modern Diplomacy – «سلطة بلا قاعدة اجتماعية، تحاول البقاء بالاعتماد على الخارج بدل بناء شرعية داخلية». وهو الفخ ذاته الذي وقع فيه النظام البائد: التحالف مع القوى الكبرى مقابل السيطرة الأمنية، بلا رؤية سياسية أو عدالة انتقالية.
بهذا النهج، تكرّس واشنطن ولندن نموذج “الاستقرار الأمني” المؤجل، القائم على إدارة الصراع لا حله. فكلما انشغلت العواصم الغربية بتوزيعات القوى الخارجية، تجاهلت الديناميكيات الداخلية الآيلة للانفجار: تصاعد خطاب الكراهية، تفكك النسيج الاجتماعي، وتنامي الغضب الشعبي من المجازر والانتهاكات التي تورطت فيها حكومة الشرع نفسها، وسط تدهور اقتصادي متسارع وعجز إداري يكشف هشاشة السلطة المؤقتة وفقدانها لأي مشروع وطني حقيقي.
حتى لو منح التحالف مع واشنطن وتل أبيب الشرع شرعية دولية، فإنه يسحب منه الشرعية الوطنية. فكل بند في هذه الصفقة – من إعادة الضباط إلى تقسيم الجنوب – يُعمّق الفجوة بين خطاب “التحرير” وواقع “التنازل”. والأسوأ، أن هآرتس تشير إلى شكوك إسرائيلية جدية حيال قدرة النظام ذي الطابع السلفي على التحول فعلاً، في ظل استمرار التوغلات الإسرائيلية ونصب نقاط مواجهة في درعا والقنيطرة، وتقارير عن تمركز عناصر من حماس وحزب الله هناك.
ورغم الأجواء التي توحي باتفاق نهائي “بنسبة 99%”، يُرجَّح أن الإعلان الرسمي سيقتصر على رفعٍ محدود للعقوبات مشروط بتحقيق تقدم في ملفات إعادة الدمج، وحماية الأقليات، وترحيل الفصائل الأجنبية، مع إعلان انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش. لكن ما يُخفى فعلياً هو إعادة هندسة الدولة السورية:
– جيش هجين من ضباط النظام السابق وقسد.
– جنوب مقسّم إلى ثلاث مناطق نفوذ.
– تصفية أو دمج الجماعات الجهادية تحت إشراف أمريكي–إسرائيلي.
يبدو أن الشرع يدرك أنه لا يوقّع صفقة بقاء، بل صفقة ارتهان مشروط، يراهن فيها على الخارج أكثر مما يراهن على شعبٍ أنهكته الحروب. وكما تساءل أحد باحثي Atlantic Council: “هل يمكن لرجل بنى سلطته على الجهاديين أن يعيش بدونهم؟”
الإجابة الأقرب: لا. فمن يدخل البيت الأبيض بهذه الشروط لا يخرج منه حراً، بل مرهوناً بخريطة جديدة لسوريا تُرسم خارج حدودها.
ليفانت: غنى الشومري
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!

