-
نقاش مع مؤيد للسلطة

تدخل في نقاش مع مؤيد للسلطة، فتنتظر منه أن يعطيك سبباً مقنعاً يدفعه للدفاع عنها مثلاً.. موقف أخلاقي، نجاحات ونتائج، أو حتى مصلحة سياسية أو اقتصادية.
لكنك سرعان ما تكتشف أن لا شيء من هذا موجود. فما أن تطرح سؤالاً جدياً حتى يسقط القناع، ويتحوّل الحوار إلى سيل من الشتائم والتهكم، وكأن الهدف ليس مناقشة الفكرة، بل إسكاتك بأي وسيلة.
هذا يتكرر مع كل نقد يصدر مني ومن غيري وكلما كانت الأدلة أوضح والحجج اقوى، يزداد انفعالهم، ويبدأون بالنيل من الشخص بدل مناقشة المضامين. بدل أن يقدموا نقداً عقلانيا لأقوالك أو أدلة تثبت عكس ما تدعي، يرمونك بتهم جاهزة: "أنت عميل، أنت خائن، أنت مأجور".
الأغرب أن الاغلبية منهم لا تميز بين السلطة والنظام والدولة. بالنسبة لهم الحاكم هو الدولة، والسلطة هي الوطن. أي نقد للحاكم يعني خيانة، وأي اعتراض على السلطة يعني أنك تريد هدم الدولة كلها. هذا الخلط صنعته أنظمة الاستبداد حتى تجعل من شخص الحاكم أو منظومة السلطة هي الدولة وهي المعنى النهائي للوطن.
وإذا فشلت تهم الخيانة، يخرجون سلاح الدين والطائفة: "أنت ضد الإسلام"، "أنت لا تريد للأغلبية أن تحكم". حتى لو كنت مسلم وسني، يستخدمون نفس العبارة، لأن المهم عندهم أن يسكتوك بأي طريقة. وإذا ما نفعت، يعودون لآخر ورقة: "أنت فلول، أنت تبع النظام السابق"، حتى لو كان تاريخك مليئاً بمواجهة الاستبداد وتضحيات شخصية.
والمضحك المبكي أن ما نراه اليوم نسخة مكررة من خطاب مؤيدي الأسد. نفس الكلمات، نفس الأساليب، نفس المنطق الأعوج. بالأمس كان النقد يُواجه بعبارة "أنتم ضد الجيش والمقاومة وتخدمون العدو". واليوم تتغير الكلمات فقط "أنتم ضد الإسلام"، "أنتم ضد الأغلبية". كأن ماكينة الاستبداد وحدة، تغيّر الأسماء بس وتبقي العقلية نفسها.
النقاش مع هؤلاء يكشف لنا أن الاستبداد أخطر من الدكتاتور نفسه، لأنه يخلق عقلية ترى الحق باطلاً والباطل حقاً. عقلية تعجز عن مواجهة الفكرة بالحجة، فتلجأ إلى الشتيمة والتخوين.
وهنا تكمن مسؤولية أن نتمسك نحن بلغة العقل والحقائق، لا بلغة الشتائم. أن نثبت أن الوطن لا يختصر في شخص، وأن الدولة لا تنهض بالولاء الأعمى بل بالمواطنة والعدالة.
فالاستبداد يمكن أن يسقط بزمن، لكن أخطر ما يتركه وراءه هو هذا الخراب في العقول. ومواجهته تبدأ من هنا.. من إعادة النقاش إلى مكانه الطبيعي، حيث تحكم الفكرة لا الشتيمة، والحجة لا التخوين.
شادي عادل الخش
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!